كانت مباراة السودان أصعب كثيرا من لقاء الكاميرون, وهو ما يرتبط بصورة مباشرة بأسلوب لعب المنافس, وهل يستطيع أن يفرضه عليك أم أنك تقدر علي فرض اسلوبك عليه. فمواجهة فريق يلعب بتعال, وبمساحات, ويساوي ملايين بنجومه تمنحك فرصة ذهبية لأن تنقض وتخطف وتصدم.. تختلف عن مواجهة فريق آخر يلعب بحذر, ويضغط بتنظيم, ويشغل كل المساحات, ولا يملك أسماء النجوم وأسعارهم, يمكن أن يؤخر فوزك, ويجعله صعبا وعسيرا حتي تجد الحل, أو يأتيك الحل من السماء!
كنا أمام الكاميرون ننتظر الهدف الثالث والرابع والخامس في أي لحظة, بينما كنا أمام السودان نثق في الفوز بهدف أو الفوز في النهاية, دون أن نعرف متي بالتحديد؟!
لم يكن أداء اللاعبين هبوطا في المستوي بقدر ما كان ارتفاعا في مستوي المنتخب السوداني, فتلك النظرة الأحادية لمباريات الكرة تفسد الرؤية وقد تحجبها, لأن اللعبة دائما بين فريقين, فتميز أحدهما سوف يسحب بعضا من أوراق الآخر, فقد لعب منتخب السودان بصورة أرهقت لاعبي مصر, وكان فريقا منظما, وضاغطا في كل جزء بالملعب, وعلي كل لاعب من لاعبي المنتخب الوطني.. وقدم الفريق الشقيق مباراة قوية, فلم يحزن جمهوره للخسارة أمام المنتخب بقدر ما حزن لخسارة سابقة أمام زامبيا.. فلماذا لم يلعب صقور الجديان بنفس التنظيم في المباراة الأولي كما لعب أمام مصر؟!
لكل مباراة ظروفها, فكرة القدم ليست معادلات حسابية لها نتائج معروفة مقدما, فتلك اللعبة يكمن سرها في هذا الشك الدائم في نتائجها.. لماذا انتظرنا حتي الدقيقة76 كي نتأكد من الفوز؟!
{{(1): اختار حسن شحاتة أن يلعب بنفس تشكيل المباراة الأولي, وكان اختيارا موفقا, لأن الثقة موجودة في لاعبيه بقوة الدفع من الفوز الأول, ولأن حاسة خوض منافسة مهمة وعالية المستوي بضغوطها النفسية كانت موجودة لدي كل لاعب مصري شارك أمام الكاميرون!
{{(2) وأمسك منتخب السودان بزمام المبادرة.. وسيطر علي وسط الملعب بكثرة عددية, وبضغط متواصل علي لاعبي مصر, فمنع بناء الهجمات من الخلف, ودفع المنتخب الوطني إلي حالة رد الفعل وليس المبادرة بالفعل.. وذلك وسط مساحات ضيقة, عبر ستة لاعبين علي الأقل, وهم بدر الدين قلق, وعلاء الدين يوسف, وهيثم مصطفي, وأمير دامر, وعلاء الدين بابكر, وموسي زوما, وكانت كثرة هؤلاء قد هزمت شجاعة حسني عبد ربه, ومحمد شوقي..!
{{(3): نفذ منتخب السودان الرقابة الفردية, رجل لرجل, في نصف ملعبه الأخير, بمنتهي الدقة علي الثلاثي زيدان, ومتعب, وعمرو زكي, بواسطة علاء الدين يوسف, وقلق, ودامر, وسفاري, وجاستن, وبابكر.. فالفريق حين يفقد الكرة يسرع بالتمركز في ملعبه لرقابة القوة الهجومية المصرية, وكانت الرقابة صارمة لم تجد معها محاولات الهروب التي قام بها زيدان ومتعب وزكي!
{{(4): فقد المنتخب الوطني في بعض الفترات قدرته علي بناء الهجمات من العمق, وظل الحل في المحاولة الفردية كما حدث من عبد ربه في ضربة الجزاء, وفقد المنتخب تماما قدرته علي بناء الهجمات من الطرفين, لتفوق موسي زوما علي سيد معوض, وعلاء الدين جبريل علي أحمد فتحي, فلعب المنتخب الوطني بدون جناحين, وعليك أن تحسب كم كرة عرضية أرسلت من الطرفين لمجموعة الهجوم المصري؟!
هذا التحييد للظهيرين, جاء لفارق السرعة والقوة البدنية, ولتكتيك سوداني ممتاز قام علي المساندة من جانب لاعبي الوسط للظهيرين جبريل وزوما في مواجهة ظهيري المنتخب..!
{{(5): توقيت التغيير أمام منتخب السودان, يحسب للمدير الفني للمنتخب الوطني حسن شحاتة, وأعتبره عاملا مؤثرا في حسم النتيجة وزيادة الهدف إلي ثلاثة. ففي الدقيقة54 من الشوط الثاني دفع بأبو تريكة وأحمد حسن بدلا من زيدان المجهد والمراقب, وأحمد حسن بدلا من محمود فتح الله.. وكان الهدف واضحا, وهو زيادة عدد المدافعين في الخلف عند فقد الكرة بحيث يكونون أربعة علي الأقل وأمامهم أربعة لاعبين في الوسط, بتقدم أحمد حسن لمقابلة قلق, وجبريل أو علاء الدين يوسف, فقد كانت الجبهة اليسري للسودان نشطة لمدة ساعة!
{{(6): هذا من جهة توقيت التغيير, وهو ما أضفي علي المنتخب دما جديدا يقدر علي مقاومة الضغط السوداني المنظم, وهو ضغط منهك ومرهق, لكنه لم يشكل خطرا حقيقيا لضعف الأداء الهجومي للفريق الشقيق, أمام الصندوق ولبراعة خط الظهر ويقظته, وأولهم وائل جمعة, وفتح الله.. ولم يكن خروج الأخير موفقا, فربما كان الأحق بالتبديل هو أحمد فتحي, ولم يكن الدفع بأحمد حسن في غير مركزه موفقا, فربما كان الأحق بالاشتراك هو المحمدي لقوته البدنية وقدراته الدفاعية بجانب فتح جبهة يمني تبدأ منها الهجمات وترسل منها كرات عرضية تحل المشكلة العويصة التي واجهت المنتخب علي مدي ساعة!
والواقع ان الفريق لعب بخمسة مدافعين في هذا الشوط لحماية للدفاع عن الهدف, وفي الوقت نفسه منح شحاته سيد معوض حرية حركة نسبية عند امتلاك الكرة, مع الدفاع باربعة لاعبين.
{{(7): تغييرات حسن شحاتة أحبطت منتخب السودان, فقد دفع باسمين كبيرين, غير مرهقين, وتزامن مع ذلك مضي الوقت, وفقدان التركيز الدفاعي, والاقتراب من مرحلة اليأس بتحقيق التعادل, فزادت المساحات أمام الصندوق السوداني, وكانت تلك المساحات مشهودة بوضوح, في الهدف الثاني, عندما انطلق عمرو زكي من الجبهة اليسري وتوغل ومرر إلي أبو تريكة المواجه للمرمي, ثم في الهدف الثالث, حين تسلم حسني عبد ربه الكرة ودخل بها إلي الوسط في نفس الوقت الذي كان أبو تريكة يفتح الملعب ناحية اليسار, وفي الهدفين حسمت مهارة أبو تريكة الفردية الأمر!
{{(8): نخرج من تلك المباراة بوجود مشكلة في القدرة الهجومية للظهيرين, معوض, وفتحي, وعدم فتح الملعب أمام الدفاع المنافس, وندرة الكرات العرضية, التي تعد أحد الحلول المهمة لزيادة المساحات والتهديف في اطار استغلال حالة من أضعف الحالات التي يكون عليها الدفاع المضاد!
إن درس المباراة الأول أثبت أن كل المنتخبات تستوعبه, وهو ما أسفر عن نتائج كبيرة ومستويات متناقضة أدهشت الخبراء, فالسودان لعبت مع مصر كما لم تلعب أمام زامبيا, والكاميرون فازت علي زامبيا بخمسة أهداف ولعبت كما لم تلعب مع مصر, ونامبيا أجهدت غانا, وكان صيدا سهلا أمام المغرب, وغينيا هزمت المغرب, كما اتسمت المباريات حتي الآن بمعدلات التهديف الكبيرة نسبيا, فقد سجلت الفرق46 هدفا في14 مباراة, بمعدل يقترب من3.5 هدف في اللقاء الواحد, وهو معدل تهديف مرتفع لا يقترب منه سوي معدلات البطولات الأولي!
المهم تبقي مباراة زامبيا, وهي مهمة للغاية لسببين, الأول أننا يجب أن نلعب علي صدارة المجموعة لمواجهة ثاني المجموعة الرابعة في كوماسي, حيث يقيم المنتخب ويلعب باستاد بابا يارا.. والثاني أن الفوز علي زامبيا يضيف قوة نفسية للمنتخب, ويضعف من القوة النفسية للمنافس, فلم يعد اللعب في البطولات يعتمد علي تلك الحسابات الساذجة التي تتحدث عن التأهل إلي الدور التالي كهدف وحيد, وإنما عليك أن تلعب بقوة لزيادة مساحة الثقة لدي لاعبيك, وكي تهز ثقة الفريق المنافس..!
{{ النجوم بالترتيب: وائل جمعة الذي أدي مباراة بلا أخطاء, ومرت من رأسه كرة وحيدة في وسط الملعب, لم تشكل خطورة, وأبو تريكة الذي كان مؤثرا في تغيير النتيجة بتحركاته الممتازة والمثقفة, وبمهاراته الفردية العالية, وحسني عبد ربه لقدرته علي الجمع بين واجباته الدفاعية والهجومية, ويكفي أنه وراء ضربة الجزاء التي صنعها بنفسه, ووضعها بنفسه, ولم تهتز أعصابه لإعادة الضربة, وتغييره للزاوية مرة أخري, لكنها هذه المرة كانت بعكس زاوية الضربة المعادة أمام الكاميرون..!