كرة القدم لعبة سهلة جدا, حيث يكون رأيك
انطباعيا وعاما, يحكي ويفسر المعروف والمشهود, فتري ان المنتخب الوطني
لعب بروح قتالية, ورجولة, واعتمد التمرير السريع, والتحضير
السريع, والجري السريع.. وكان كل لاعب في صفوفه أبو سريع لكن اللعبة
صعبة, حين تكون مشاهدتك أعمق.. فمن البديهي ان يمارس اللاعب كرة القدم
بطاقته كلها, ويقاتل علي الكرة ومن أجلها, ويكون لائقا بدنيا, وينام
مبكرا, وهذا يصنع الفارق العام في الشكل بين كرتنا وكرة اوروبا, لأننا
لا نفعل ذلك غالبا!
وهناك مشهد يفسر الروح القتالية والمساندة, في اداء المنتخب الوطني ببطولة إفريقيا ويفسر الفارق بين كرتنا وكرة العالم الآخر؟!
هو
مشهد هدف الفوز والبطولة في مباراة الكاميرون, فقد مرر احمد حسن الي
زيدان الذي إنطلق وسبقه سونج, وكافح زيدان من أجل استخلاص الكرة, وسقط
وقام, ومرر الي ابو تريكة.. وهنا تري ما يلي:
{{(1): كفاح
زيدان وعدم يأسه من انتزاع الكرة من سونج, ثم تمريرها الي زميل, وقد
قال زيدان: لم اشاهد ابو تريكة قادما لكني وجدته ولا اعرف من أين ظهر؟!
{{(2):
في الاحوال العادية, واقصد أحوال الكرة المصرية ومسابقاتنا المحلية,
قد لا يضغط المهاجم ولا يكافح المدافع, وسوف يراقبه جميع اللاعبين
وينتظرون نتيجة صراعه دون ان يتحرك لاعب واحد الي الامام.. إلا ان ابو
تريكة تحرك للمساندة بغض النظر هل يخرج زيدان من صراعه مع سونج بالكرة أم
لن يخرج بها ولن يحصل عليها..!
{{(3): هذا المثال البسيط
جدا, يكشف معني القتال علي الكرة في صراع لاعب ضد لاعب, ويكشف اهمية
التحرك من الزميل لمساندة زميله دون انتظار لنتيجة الصراع الفردي ثم
التحرك, ففي أحوال الكرة المصرية يمكن ان يستخلص لاعب الكرة ثم لا يجد
زميلا يمررها اليه!
{{(4): إن ثقافة انتظار نتيجة الصراع,
وعدم التحرك بدون الكرة من اخطر امراض كرة القدم في مصر, فنصف لاعبي
الفريق يقفون يتفرجون إلا ان المنتخب الوطني في غانا لعب بأداء جماعي,
ولم يلعب بثقافة الانتظار, واعتمد المساندة هجوما ودفاعا!
ونأتي لجزئية مهمة جدا.. وهي مسألة اللياقة البدنية الفائقة للفريق, كيف اصبح لاعبنا مالكا لها فجأة كما يبدو؟!
انه
التنظيم, والمساندة, والتحرك.. بجانب الثقة والهدوء, فالتنظيم
بشكل عام يوفر الجهد والطاقة, وحين يكون اللعب عشوائيا وعصبيا, بلا
مساندة وبلا تحرك سليم, تري لاعبنا يجري خلف الكرة, ويجري منها,
ويهدر نصف قوته في البحث عن زميل, وفي مقاومة المنافس لأنه مضطر الي
الاحتفاظ بها, وهكذا كان اداء المنتخب سلسا ولائقا وسهلا, وناعما..
وفائزا وكان مفتاح هذا كله المباراة الأولي امام الكاميرون!
يجب
ان نشاهد مباريات الكرة بصورة أعمق, وندقق في التفاصيل, ونبتعد عن
العموميات والبديهيات, لاسيما من جانب المتخصصين بطريقة: اداء قوي..
اداء بروح قتالية.. اداء سريع.. تمرير سريع.. تحضير سريع.. لكن ما
رأيكم ان كل ما هو سريع يكون في بعض الاحيان غير مطلوب, وربما يكون سببا
في اصابة اي فريق بكارثة ؟!
ونقطة اخيرة في كشف حساب الانجاز
ودروسه, وهو النقد الفني المتخصص, والفارق بينه وبين الهجوم, وسحب
السيوف من اغمادها ضد المدرب, وضد اللاعبين, وضد الفريق, حسب
النتيجة, فقد سافر المنتخب الي غانا وسط موقف عام من الجميع يري ان
الفريق من الصعب ان يتجاوز دور الثمانية, ووسط شعور بأنه من الصعب جدا
أن يفوز بالكأس للمرة الثانية, وربما جرت حسابات وتساؤلات وهو علي سلم
الطائرة في الطريق الي غانا: من يخلف حسن شحاتة في قيادة المنتخب في
تصفيات كأس العالم ؟!
وكانت هناك في شارع الكرة المصرية ناس
معارضة لاستمرار المدرب أناس متمسكة برأيها الأول فيه, وليست متمسكة به
وبقدراته.. وبدا الأمر هنا كأن بقاء شحاتة انتصار لرأي شخصي, وليس
انتصارا لمدربنا الوطني شخصيا.. ومن اسوأ مظاهر النقد ان يخلط الناقد
بين رأيه الخاص وبين المصلحة العامة, ويبدو الأمر هنا ايضا ان هناك
منافسة بين فريقين, فريق يؤيد رأيه, وفريق ضد هذا الرأي.. وليس بين
فريق يؤيد المدرب وفريق ضد المدرب!!
وفي تلك النقطة بالتحديد هناك ما يلي:
{{(1):
لكل انسان الحق في ابداء وجهة نظره الموضوعية, والفنية, بأسانيده,
فمن كان يعترض علي حسن شحاتة ثم وجده ناجحا, عليه ان يفرح بنجاحه,
ولأنه نجاح لمنتخب البلد,.. هذا هو الامر الطبيعي.. ومع الفارق في
التشبيه, لكني مضطر اليه فقد: هوجم عبد الحليم حافظ في حفلته الاولي
وألقي عليه الجمهور الطوب والحجارة.. ثم عاد نفس هذا الجمهور وهتف
للفنان العبقري الذي سبق عصره وقلب الطاولة علي عصر الطقطوقة., والايقاع
التركي, وقد قلب شحاتة الطاولة في تلك البطولة علي عصر الكرة التركية في
مصر.. كرة آمان يا للالي آمان!
{{(2): وعلي حسن شحاتة في
المقابل وعلي غيره من المدربين ومن اللاعبين, تقبل النقد, فكل مباراة
حالة بذاتها يجيد فيها مدرب ولاعب, وقد لا يجيد في أخري.. ومن حق
القارئ ومن حق المشاهد ان يكون الناقد أمينا, فلا يكون الأداء سيئا ثم
يجد رأيا يبرر له سوء الأداء لأي سبب.. والعكس صحيح, فمن حق اللاعب
ومن حق المدرب ان يجد الاشادة وقت ان يجيد.. هذا هو النقد الفني
الموضوعي, وهذا حسب ما أظن يسمي ضمير المهنة!
{{(3): من أسوأ
نتائج فوز المنتخب الرائع بكأس الأمم, تقسيم شاع سريعا.. وهو الذين
كانوا يؤيدون حسن شحاتة.. والذين كانوا يعارضون حسن شحاتة.. واصبحت
هناك مباراة من تحت الترابيزة بين الفريقين, وجري صراع محموم علي تسلق
نجاح المدرب الوطني واللاعبين, وعلي القفز الي برواز الصورة
والبطولة.. ليتفرج الناس ويضحكوا علي القافزين..!
{{(4): إن
النقد يجب ألا يحركه الموقف من شخص, ويجب الا يحكمه الموقف من
الأداء.. ولا يجب ان يحركه ايضا موقع الناقد.. فهل هو في صف
المؤيدين.. ام في صف المعارضين..؟!
إن الخلط بين ما هو شخصي
وبين موقع الشخص ومكانه من أسباب ظاهرة الصراخ والفوضي في الشارع
المصري.. ومن أسباب حوار الطرشان الذي لا يسمع فيه إنسان الآخر.. لعل
هذا الفوز وهذا الانجاز يغيرنا, ويجعلنا نشاهد مباريات الكرة بصورة
أعمق, وننقد الاداء وليس الاشخاص.. ففي النهاية الفائز هو المنتخب..
لا أنت ولا هو ولا أنا..