رحل أمس سباح القرن عبد اللطيف أبوهيف عن
عمر يناهز79 عاما, وذلك في مستشفي القوات المسلحة بالمعادي بعد رحلة
مع المرض, حيث سيتم تشييع جثمانه اليوم من الاسكندرية مكان مولده, علي
ان يقام العزاء, غدا بمسجد عمر مكرم.
ان الراحل ابوهيف اسطورة
قد لاتتكرر ثانية في عالم السباحة, مثل غيره ممن سبقوه في مجالات مختلفة
وكان آخرهم الراحل نجيب محفوظ, فأبوهيف حفر اسمه في سجل التاريخ ونظر
إليه العالم نظرة تقدير وإحترام ومنحه أعلي الأوسمة باختياره سباح القرن
ودوي اسمه في قاعة المشاهير بولاية فلوريدا الأمريكية, فهو بطل البحار
الثائرة والبحيرات الهادئة وصاحب مسرحية ترويض قسوة المياه الباردة, بطل
انهار النيل والسين.. بطل قناة السويس والبحر المتوسط بطل المانش
وكابري.. رئتاه أكبر مرتين من أي رئة عادية.. ظل ربع قرن متربعا علي
عرش بطل أبطال العالم ويحمل سجلا من الانجازات تفخر به مصر قبل ان يفخر به
عبد اللطيف أبوهيف.
أبوهيف الأسطورة.. الذي تناقلت أخباره جميع
صحف ووكالات الأنباء العالمية كان لايشعر بطعم أي فوز في أي سباق الا عند
نزوله أرض الوطن ومشاهدته لإخوته وابنائه يحملونه ويطوفون به الشوارع وكان
هذا هو التكريم الأكبر له, فكما كان ينسجم مع أمواج المياه العاتية,
كان ينسجم أكثر مع أمواج البشر التي تحمله, تلك الجماهير التي غاب عنها
أبوهيف لمدة(35 عاما) جعلت جيلا أو أكثر لايعرف تاريخه أو حقيقته,
ولابطولاته الانسانية قبل الرياضية, ففي كل بطولة كان السباح المعجزة
يترك بصمة وفي كل بطولة كان يحصد الإعجاب والتألق ويسرق الأضواء, وفي كل
بطولة كانت له لمسة انسانية, وصنع عبد اللطيف أبوهيف تاريخا عظيما خلال
الفترة, من1951 وحتي1972 خاض خلالها68 سباقا.. ونال بطولات
عديدة في إيطاليا وأمريكا وكندا وفرنسا وغيرها.
والحكاية بدأت
حين خرج الطفل الصغير المولود في30 يناير عام1929 بالإسكندرية وسط ستة
من الأشقاء عن القاعدة بعد أن استهوته السباحة ووجد نفسه بطلا للإسكندرية
في بطولتي11 عاما و14 عاما فقرر الرحيل الي القاهرة لصقل موهبته ولفت
الانظار اليه عام1951 حين نجح كأصغر سباح وقتها في عبور المانش وسط توقع
الجميع وقتها بأنه سيتجمد في المياه التي لاتزيد درجة حرارتها علي عشر
درجات لكنه انطلق كالمارد ليحصد الإعجاب وصنع كبيرا وقهر المانش وبعدها
حضر أطباء من أمريكا للحصول علي عينة من دمه لمعرفة سر قوته واستمراره في
مياه المانش14 ساعة دون أن تتجمد أطرافه
والحديث عن الراحل
أبوهيف وانجازاته يحتاج الي موسوعة ولكن يكفي أنه السباح الذي نجح في عبور
المانش3 مرات محققا رقما قياسيا عام1953 وفي عام1955 انتزع المركز
الأول في أول سباق دولي للمانش وفي عام1963 كان عليه المنافسة مع واحد
من أعظم سباحي العالم في المسافات الطويلة الذي اطلقوا عليه لقب الهولندي
الطائر هاري ويليام وكان السباق في بحيرة انتاريو بمدينة تورنتو, ونجح
أبوهيف في قهر الهولندي الطائر وعلقت صحف فرنسا في اليوم التالي علي فوزه
بقولها: ويليام يقابل استاذه واختارته الصحف الإيطالية في العام نفسه
كأفضل رياضي لهذا العام وهو الاختيار الذي سبقه اليه بيليه في العام
السابق لاختياره وذلك بعد حصوله علي المركز الأول في أطول وأعظم سباق
للسباحة الطويلة حول العالم ببحيرة ميتشجان بالولايات المتحدة لقطع مسافة
بلغت135 كيلو مترا ومنحه وقتها الاتحاد الدولي لقب بطل أبطال العالم.
وحكايات
الراحل مع المياه الكندية شهدت اعجازا يحتاج التسجيل بموسوعة صدق أو لا
تصدق, ففي عام1965, أقيم سباق مونتريال الدولي علي طريقة التتابع
لمدة30 ساعة ويقوم فيه كل سباح بالعوم لمدة ساعة بالتبادل مع زميل له,
وكان يشارك أبوهيف الإيطالي جوليوترافاليو الذي لم يستطع إكمال السباق بعد
أن خرج من الماء الي المستشفي عقب أول نصف ساعة سباحة, واصر أبوهيف علي
إكمال السباق بمفرده حتي النهاية وسط تناوب باقي السباحين ليحصل علي
المركز الأول في النهاية وسط تصفيق الجميع.
ولأن السيره رائعة,
فقد شهدت انجازات متميزه حتي جاء عام1975 وفي الأرجنتين بالتحديد كانت
نهاية الرحلة حين أعلن البطل الكبير أعتزاله المشاركة في بطولات السباحة
نهائيا بعد أن بلغ قمة تألقه في سباق بروساريو الذي قطع فيه مسافة250
كيلو مترا في60 ساعة وهو إنجاز لم يحققه أي سباح في تاريخ البطولات
الرياضية!.
إنها رحلة لم تتوقف علي الانجازات الرياضية فقط,
ولكن سجل إنجازاتها الإنسانية يتفوق أيضا ليليق بأسم البطل والبطولات التي
حققها, فقد تبرع بقيمة الجائزة المادية عن أحد سباقات المانش لأسرة سباح
انجليزي مات غرقا بعد أن حاول عبور المانش ببوصله وبدون مرافق, فقد ترك
ماتيوس ويب أسرة مكونه من سبعة أفراد, كما تبرع بجائزة أخري لسباح فرنسي
أصيب بشلل نصفي في قمة تألقه ووصفته الصحف الإنجليزية والفرنسية بأن ما
قدمه أبوهيف مكرمة مصرية.