لماذا تلجأ الدول الافريقية للمدرب
الاوروبي الملقب في القارة السمراء بلقب' الساحر الابيض' لتدريب
منتخباتها الوطنية رغم امتلاك أفريقيا للاعبين معتزلين علي أعلي مستوي
كانوا منذ ثلاثة عقود أو أكثر ملء الاسماع و الابصار في الملاعب الافريقية
و الاوروبية من امثال المالي ساليف كيتا و الغيني عبيدي بيليه و
الكاميروني روجبه ميلا ؟ سؤال يطرح نفسه دائما علي مشجعي كرة القدم في
القارة السمراء وهم يشاهدون علي شاشات التلفزيون التي تنقل بطولة كأس
الامم الافريقية الحالية بغانا صور المنتخبات الافريقية ببشرة ابنائها
السمراء و السوداء يتوسطهم في اغلب الاحيان مدرب أوروبي ابيض اللون اشقر
الشعر ذو عينين زرقاوين, فمن بين16 منتخبا قوميا شاركوا في عرس
المونديال الافريقي الحالي, هناك4 دول فقط أعطت ثقتها للمدرب الوطني
فبدا حسن شحاتة المدير الفني لمنتخب مصر و معه عبد الله مازدا المدير
الفني للسودان و باتريك فيري المدير الفني لزامبيا و لويس دي أوليفيرا
المدير الفني لانجولا كغرباء علي أرض قارتهم وسط غابة من المدربين
الاجانب7 فرنسيين و3 المان و هولندي و برازيلي.
يرجع السبب
الرئيسي لتجاهل المدرب الاوروبي لللمصاعب التي تقابله في إفريقيا الي كثرة
اعداد المدربين في أوروبا لدرجة أن العديد منهم يعانون من البطالة.
فمعظم اللاعبين الاوروبيين المعتزلين لا سيما المشهورين منهم أصبحوا
يفضلون العمل الي مجال التدريب حتي تشبع سوق عمل المدربين في أوروبا رغم
أن البعض منهم يتجه الي النقد الرياضي أو التعليق التلفزيوني او الاعمال
الادارية او الحرة.. ويعترف جون فرنسوا جودار المدير الفني لمنتخب مالي
في تصريح لمجلة' فرانس فوتبول' الفرنسية بأن ظروف التدريب في افريقيا
جنوب الصحراء تعد ظروفا جد صعبة مشيرا الي أن اللاعبين في بعض الاحيان
يضطرون لتغيير ملابسهم في أرض الملعب لسوء حالة غرفة خلع الملابس سواء
بسبب نشع المياه او انقطاع الكهرباء او حتي سقوط دهانات السقف.
أما
هنري كاسبرزاك الذي استقال مؤخرا من منصب المدير الفني لمنتخب السنغال
فيعتبر أن عدم التزام اللاعبين الافارقة بما فيهم المحترفين تعد من
المشاكل الرئيسية التي تقابل المدرب الاوروبي, مشيرا الي ان بعض
اللاعبين الافارقة المحترفين يقلدون اللاعبين المحليين و يتناسون قوانين
الانضباط التي اعتادوا الالتزام بها في انديتهم الاوروبية عندما يعودون
الي اوطانهم لارتداء فانلة منتخب بلادهم.
ومن جانبه يري كلود
لورا المدير الفني لمنتخب غانا أن افشاء اسرار ما يحدث في كواليس اتحادات
الكرة الافريقية للعامة و الصحافة بما فيها عملية اختيار اللاعبين للمنتخب
بكل ما تحمله عملية الاختيار من حساسية في أفريقيا متعددة الانتماءات
العرقية و القبائلية يجعله يتعامل مباشرة مع الوزراء و القيادات العليا
حتي يتفادي المشاكل ويكشف كلود لورا عن انه كان يضيع نصف مجهوده عندما
كان يتولي تدريب منتخب الكونغو الديمقراطية في اتصالات لاقناع المسئولين
عن الاتحاد بدفع مستحقات اللاعبين و الجهاز الفني المحلي المعاون له.
ويتفق
كل المدربين الاوروبيين علي أن السبب الرئيسي الذي يدفعهم للعمل في مثل
هذه الظروف الصعبة هي رغبتهم في مساعدة الافارقة الذين تعرضوا للنهب و
السلب خلال حقبة الاستعمار و للحروب الاهلية و الخلافات العرقية و
القبائلية و الانقلابات العسكرية و الفساد في فترة ما بعد الاستعمار
ويرفض مدربون أفارقة تبريرات المدربين الاوروبيين بالعمل في افريقيا الي
رقة مشاعرهم متهمين المدرب الاوروبي بالهرولة للعمل في أفريقيا لارتفاع
معدلات البطالة في بلاده فيفضل الاستمتاع بشمس افريقيا المشرقة و مناظرها
الطبيعية الخلابة وسحر شواطئها علي الجلوس في منزله أمام المدفأة يتشاجر
مع زوجته حتي يأتي له الفرج خاصة بعد أن أمن له الاتحاد الدولي لكرة
القدم' الفيفا' الحصول علي راتبه بالكامل حتي لو تأخرت بعض الدول
الافريقية في تلبية التزاماتها المالية تجاهه لبعض الوقت.
ورغم
أن البعض يحاول تفسير تكالب الدول الافريقية علي' عقدة الخواجة' فإن
الواقع يؤكد ان معظم الدول الافريقية هي التي تلهث وراء المدرب الاجنبي
لتريح نفسها من عناء مشاكل مستعصية الحل علي الاقل في المستقبل المنظور
تتعلق باللاعبين المحترفين و الانتماءات العرقية و القبائلية و الدينية في
بعض الاحيان والعامل الاهم الذي يمثله المدرب الاوروبي هو تمتعه بالحياد
العرقي والقبلي ولهذا السبب يتفق الافارقة عندما يختلفون علي أسباب تتعلق
بأنتماءاتهم العرقية والقبائلية علي اللجوء للمدرب الاجنبي أو ما يسمونه
بالساحر الابيض القادر علي حل هذه المشكلة المستعصية علي الحل في
افريقيا. فمن يستطيع علي سبيل المثال اتهام جيرار جيلي المدير الفني
لكوت ديفوار بالانتماء لعرق الديولا أو عرق البيتيه أكبر عرقين في كوت
ديفوار؟.
وما ينطبق علي كوت ديفوار ينطبق ايضا علي السنغال فمن
يمكن أن يتهم هنري كاسبرزاك بأنه كان ينحاز لعرق الاولوف علي عرقي
التوكولور أو السيرير. كما أن دولة مثل السنغال التي يعتنق الغالبية
العظمي من ابنائها الدين الاسلامي لا تعاني فقط من مشكلة اختلاف الاعراق
لكنها تعاني ايضا من مشكلة اهم و هي عملية التوازن في الاختيارات للمنتخب
القومي ما بين ابناء الطريقة الموريدية و الطريقة التيجانية أهم الطرق
الاسلامية في الاسلام رغم أن الطريقتين من أنصار المذهب السني. ويعترف
هنري كاسبيرزاك بالتعرض للضغوط من قبل القيادة السياسية من أجل أحداث
التوازنات بين الاعراق و القبائل و انصار الطرق الدينية غير أنه يرفض
الخوض في التفاصيل رغم استقالته من تدريب منتخب السنغال.
ولكن
اذا كانت دول افريقيا السوداء تلجأ للساحر الابيض ليقيها من المشاكل
العرقية و القبلية فلماذا تلجأ اذن دول شمال افريقيا للمدرب الاوروبي ؟
لاشك أن هناك اسبابا وجيهة تدفع هذه الدول للاستعانة بالمدرب الاوروبي.
ويأتي علي رأس هذه الاسباب أن المدرب الاجنبي وهو فرنسي في أغلب الاحيان
قادر علي تسهيل تنظيم معسكرات خارجية لهذه المنتخبات في فرنسا حيث يصبح من
السهل في هذه الحالة تنظيم برنامج اعداد قوي يتضمن الاحتكاك بالفرق
الفرنسية و الاوروبية الكبري و حتي بالمنتخب القومي الفرنسي احد افضل
منتخبات العالم. كما ان تأشيرات الدخول لفرنسا تكون في هذه الحالة جاهزة
في دقائق معدودة دون العناء في الحصول عليها لو كان المدرب وطنيا.
كما
أن دول الشمال الافريقي خاصة المغرب و تونس تهتمان اكثر بالتأهل لبطولة
كأس العالم من الفوز ببطولة كأس الامم الافريقية التي تتطلب منافساتها
احتكاك اكثر بالدول الاوروبية و لذلك لم تبادر اي من الدولتان تونس او
المغرب في الاطاحة برأس الساحر الابيض رغم فشل الفرنسي هنري ميشيل المدير
الفني لمنتخب المغرب في مجرد تخطي الدور الاول لبطولة كأس الامم الافريقية
بغانا فيما فشل ايضا مواطنه روجيه لومير في الذهاب بتونس الي ابعد من دور
الثمانية